كتب : رعد التميمي
انفرد العراقيون بصناعة حلوى “المن والسلوى”، التي ورد ذكرها في القرآن الكريم وبعض الكتب السماوية، وتفننوا في إضافة المطيبات والمشهيّات لها؛ حتى غدت مطلب كل من يزور بلدهم.
وهذه الحلوى التي يسمونها “من السما” من إنتاج حشرة تسمى (المن)، حيث تفرز هذه الدويبة مادة صمغية داكنة الخضار أثناء مواسم تكاثرها في فصل الخريف فتتجمع على أوراق أشجار البلوط وأشجار الجوز الشاهقة على شكل قطع متفاوتة الحجم يقوم الأهالي برحلة البحث عنها وتجميعها بأكوام تتراوح أحجامها بين 4 إلى 10 كيلوغرامات.
وتتمتع بقيمتها الغذائية التي تنشّط الجهاز العصبي، وتفيد في تحفيز الذاكرة وخصوصا لكبار السن؛ مثلما تمنح العقل حيوية واتقادا.
يقول أبوعمر، صاحب محل حلويات : هذه الحلوى هي من صنع الطبيعة.. فلا بذور أو شتلات؛ وليس للبشر فيها أي دخل سوى التصفية، وإضافة المطيبات أو الكرزات كالجوز واللوز والفستق والهيل، لذلك فإن الطلب عليها شديد؛ ودائما ما نشكو لأصحاب المصانع قلة ما يسوقوه لنا؛ لكنهم يعتذرون بأن الكمية التي يجمعها المزارعون أو الفلاحون في الموسم هي أطنان قليلة لا تكفي حاجة المحافظات العراقية؛ وهناك من يضارب في سعرها للتسويق الخارجي.
مردود مالي يستحق المغامرة
غالبا ما تكتنف رحلة جني محصول (من السما) الكثير من المخاطر؛ لأن البحث عنه يكون في المناطق البعيدة المنعزلة في الجبال؛ حيث الحيوانات المفترسة؛ والمهربون لكن المردود المادي يستحق المغامرة.
فحين يعود الرجال بصناديقهم المحملة بالمادة الأولية تهب لاستقبالهم النساء لترتيبها ووضعها في أكياس معدة لهذا الغرض وبأوزان معروفة لتسهيل عملية البيع إلى التجار الذين ينتظرهم أصحاب المعامل بفارغ الصبر.
وللعلم فإن عملية تصنيع هذه الحلوى تستغرق أياما، حيث توضع المادة الخام في قدور كبيرة، ويضاف إليها الماء لتغلي جيدا؛ ثم تصفى مما علق بها من شوائب ومن بقايا ورق الأشجار؛ ويضاف لها بياض البيض لإعطائها اللون المميز إذ إنها تكون عادة بلون الدبس، ثم يضاف لها الطحين خوفا من سيلانها وتقطع حسب ما يراه صاحب المعمل أو حسب ما يريده الزبائن؛ لتصبح الهدية الأجمل أثناء التزاور أو السفر.
ولذلك لا أحد يقبل هدية ممن يعود من العراق إلا علبة (من السما) ويفضل أن تكون عليها الماركة المفضلة (صنع في السليمانية).